العراق: حملة تعزيز قانون حرية التعبير عن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي تحظى بدعم من أعضاء مجلس النواب العراقي
نظَّم عدد من جماعات حقوق الإنسان العراقية حملات تهدف إلى تعزيز الوعي العام بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، التي نصَّ عليها مشروع قانون حرية التعبير والتجمع السلمي في العراق. وقد أصدروا ورقة سياسات حول القانون، تضمَّنت جُملة من التوصيات إلى الحكومة، وقد لاقت هذه الاستحسان. وقد خلصت الجماعات الحقوقية إلى توصياتها تلك عقب مشاورات مطوَّلة في مدن مختلفة مع مجموعة واسعة من المشاركين، شملت منظمات محلية غير حكومية، وناشطين مستقلين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وعدداً من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى لجنة حقوق الانسان وأعضاء في مجلس النواب العراقي.
تم إعداد ورقة السياسات هذه من قبل الشركاء في الحملة، جمعية النضال لحقوق الإنسان ومنظمة سما للدعم النفسي والاجتماعي، ضمن منحة فرعية كانت جزءاً من مشروع مشترك مع شبكة الابتكار للتغيير – مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومركز الخليج لحقوق الإنسان.
ومما جاء في ورقة السياسات التأكيد على أنَّ: “حرية الرأي والتعبير إنَّما هي حق من حقوق الإنسان الأساسية، تندرج تحته العديد من الحريات. إنَّ الشعوب تخوض نضالاً يومياً للدفاع عن تلك الحقوق والحريات في مسعاها من أجل العيش بكرامة، ولا تفتأ تذكِّر الحكومات والسلطات بواجباتها ابتغاء تعزيز تلك الحقوق وحمايتها، ومنع النيل منها، بالنظر إلى كونها حجر الأساس الذي عليه تُبنى الآمال جميعاً لإنفاذ سائر الحقوق”.
وتمضي ورقة السياسات على لسان فريق الحملة بالقول: “إنَّ ما دعانا إلى الائتلاف والنظر في مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي لا يقف عند مشروع القانون هذا وحسب، وإنما يتعداه إلى بثِّ الشواغل والتوقعات عند قادة الرأي، والناشطين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، والمحامين وغيرهم؛ بشأن كل ما يتصل بذلك الحق المهم”.
نُظِّمت الحملة على مدى شهرين ونصف، وتضمَّنت انعقاد جلسات حوارية في عدد من محافظات العراق (بغداد، والانبار، وواسط، والناصرية) للتباحث في شأن هذا القانون مع أصحاب المصلحة وقادة الرأي، وإعداد ورقة السياسات هذه، التي تتضمن آراء المشاركين وكذلك رأي الهيئات التي نظَّمت الحملة، انتهاءً إلى إطلاع الجهات ذات العلاقة في السلطتين التنفيذية والتشريعية على ما خلصت إليه. وغاية الحملة هي أن تحول دون إقرار أي قوانين تتضمن أحكاماً مقيِّدة و سالبة للحرية، وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان التي كفلتها المواثيق الدولية والقوانين والتشريعات المحلية، وفي مقدمتها دستور العراق.
في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عقد شركاء الحملة اجتماعاً لبحث الحملة الوطنية لتعديل مشروع قانون حرية الرأي والتعبير مع معهد التطوير النيابي، بالتعاون مع شبكة النساء العراقيات. وقد افتتح الجلسة المتحدث سعد فياض، مدير عام معهد التطوير النيابي، الذي أكَّد أهمية إقرار تشريعات وطنية بخصوص حرية التعبير عن الرأي، ليتسنَّى للعراق أن يواكب النظام القانوني الدولي ويفي بالتزاماته الدولية. وقال إن من شأن إقرار قانون حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي من قبل مجلس النواب “أن يعزز الاستقرار المجتمعي ويرفع من مكانة العراق أمام المجتمع الدولي”.
وقد عرضت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب العراقي خلال الورشة آخر التطورات المتعلقة بمشروع قانون حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي، بالإضافة إلى موقف منظمات المجتمع المدني من مشروع القانون. وقدمت جمعية النضال لحقوق الإنسان وشبكة النساء العراقيات توصيات لإنفاذ القانون، بالإضافة إلى الإعراب عن أملها في أن يتم إقرار القانون، بالتعاون الموصول بين مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني.
لقد أدَّت هذه الحملة إلى عدد من المخرجات الإيجابية، كان من بينها إنشاء شراكات بين عدد من المنظمات والشبكات التي أخذت على عاتقها قضية تعديل مشروع القانون، وقد كان توقيت الحملة جدَّ موفَّقٍ ومتسقاً مع حاجات المجتمع العراقي والمفاهيم الحقوقية التي تم التطرُّق إليها. وبالإضافة الى ما تقدَّم، فإنَّ هذه الهيئات أفلحت في التوصُّل إلى تنسيق مستدام مع عدد من صانعي القرار، ومن التشبيك الفاعل مع المؤسسات والهيئات ذات الصلة، الأمر الذي من شأنه أن يحسن بشكل كبير من احتمال تعديل مشروع القانون، ليصار إلى معالجة الاعتبارات الأساسية لحقوق الإنسان.
يمكنكم تحميل ورقة السياسات الكاملة هنا.
تعمل الهيئات الحكومية ووكالات إنفاذ القانون في العراق في بيئة تتسم بفراغ تشريعي كبير. ومن شأن غياب تشريعات معينة أن يزيد من صعوبة تنظيم الحق في حرية التعبير وحمايته، ولا سيّما حين تُمارَس القوة. كما يغلب أن تُستخدم الأدوات والقوانين النافذة حالياً بطريقة تعسفية، الأمر الذي يؤدي إلى فهم مغلوط بشأن ما تنطوي عليه حرية التعبير حقاً. إنَّ هذه الانحرافات إنما هي أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العراقي اليوم. وفي 5 مارس/ آذار 2023، شرع مجلس النواب العراقي يناقش مشروع قانونٍ حول حرية الرأي والتجمع السلمي. ويخشى كثيرون من أن يفضي إقرار القانون المُقترَح إلى فرض قيود قاسية على الحريات العامة، كما يتخوّف البعض من أن يفتح مشروع القانون هذا الباب أمام تأويلات قد تقيّد الحريات، والحقوق الفردية والمجتمعية، والعدالة، والمساواة.
يتضمّن مشروع القانون، الذي نشره مجلس النواب العراقي على موقعه الإلكتروني الرسمي، مصطلحات فضفاضة وموادَّ تتعارض مع المادة 38 من الدستور العراقي، التي يكفل حرية الرأي والتعبير بالوسائل السلمية؛ كما تنتهك أيضاً المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللذين أكَّدا أنَّ لكل إنسان الحقُّ المتأصل في اعتناق الآراء دونما مضايقة، وفي التعبير عن نفسه بحرية. وتشمل حرية التعبير هذه التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
وتتضمَّن المواد 1 و3 و5 و7 و13 من مشروع القانون على وجه الخصوص؛ أحكاماً تقيّد الحقوق الأساسية للمواطنين العراقيين، وتنتقص من قدرتهم على التعبير عن آرائهم والمشاركة في التظاهرات بحرية:
– المادة 1، الفقرة 5: تعرّف “التظاهر السلمي” بأنه “تجمّع عددٍ محدود من المواطنين للتعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم التي كفلها القانون”. غير أن الدستور العراقي يكفل للشعب العراقي الحق في التظاهر السلمي ولا يشير صراحة إلى أي حدود تتعلق بحجم هذا النوع من التجمعات (المادة 38، الفقرة 3). ولمَّا كان الدستور العراقي القانونَ الأسمى في البلاد، فإنَّه ليس لمشروع القانون هذا أن ينتقص من الحق المذكور بطريقة مشروعة.
– المادة 3: إنَّ للوصول إلى المعلومات وإجراء البحوث ونشرها أهميةً محورية بالنسبة إلى ممارسة حرية التعبير. ولئن كانت المادة 3، الفقرة 1، تحث الوزارات المختلفة على إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة، إلا أن فعالية هذه المادة تستلزم تبنّي نهج إلزامي لا اختياري. وسيكون من المفيد في هذا الصدد الإشارة على نحو شامل إلى “كافة مؤسسات الدولة” وتحديد السلطات المسؤولة عن إنفاذ تلك المادة. وعلى الرغم من أن المادة 3، الفقرة 2، تجيز الطعن في قرارات حجب المعلومات لدى المفوضية العليا لحقوق الإنسان، فإنَّ من الضروري إضافة خيار الطعن أمام القضاء صوناً لهذا الحق المهم، بالنظر إلى الشواغل المتعلقة بحياد المفوضية.
– المادة 5، الفقرة 2: تشير إلى “الطعن في الأديان والمذاهب والطوائف والمعتقدات والانتقاص من شأنها أو شأن معتنقيها”. إن غموض هذه الصياغة يبعث على القلق، إذ يمكن بموجبها توصيف أي نقاش أو بحث أكاديمي يتناول موضوعات دينية بأنه مسيئ للأديان، الأمر الذي يمنع من القيام بالتقصي والحوار المفتوح.
– المادة 7: تفرض شروطاً على التظاهرات أو التجمعات العامة، إذ تتطلب الحصول على إذن مسبق قبل خمسة أيام على الأقل من تنظيم التجمُّع، والكشف عن أسماء أعضاء اللجنة المنظّمة له. وينبغي الاكتفاء باشتراط الحصول على إذن إداري، ذلك أنَّه يمكن اعتبار المادة بصيغتها الحالية شكلاً من أشكال الرقابة الحكومية على الحق في التجمع والتظاهر السلميين.
– المادة 13: تشدد على حماية الشعائر والمعتقدات الدينية، دون إيلاء اعتبار كافٍ إلى حرية التعبير والتجمع السلمي. ولا ريب في أن صون الحق في حرية العقيدة والممارسة الدينية أمر حيوي بالنسبة إلى العراق تمشياً مع المعايير الدولية؛ غير أن مشروع القانون هذا ينص على فرض عقوبات من بينها السجن وفرض الغرامات، على من يقوم علناً بانتقاد جماعة دينية معينة، أو يتدخل في شعائر دينية، أو يعمد إلى إهانة شخصية أو رمز ديني. ويمكن أن تُستغل الصياغة الفضفاضة لهذه المادة من قبل المسؤولين لمعاقبة الأفراد.
عن الشركاء
شبكة الابتكار للتغيير شبكةٌ عالمية من أفراد ومؤسسات تسعى إلى التواصل والتشارك والتعلم المشترك، لإيجاد مقارباتٍ إيجابية للتغلب على العوائق التي تؤدي الى إغلاق الفضاءات المدنية وفرض القيود على حرياتنا الأساسية في التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير. وتعمل الشبكة من خلال 7 مراكز ابتكار حول العالم، مستلهمةً أفكاراً وأساليب وتقنيات من مختلف القطاعات، لإنشاء حلول تدفع التغيير الاجتماعي الإيجابي.
أطلق مركز الشبكة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نشاطاته الأولية تحدوه رؤيةٌ لإقامة فضاءٍ مدني حر وآمن، وإقامة شبكة تعاونية ومبتكرة من الناشطين ومنظمات المجتمع المدني، لتسهيل تبادل الخبرات والموارد وتطويرها، لمواجهة تضاؤل الفضاء المدني، مع التركيز على تعزيز الفضاء المدني، والمساءلة الاجتماعية، و موارد المجتمع المدني، والابتكار الاجتماعي، والتكنولوجيا المدنية.
مركز الخليج لحقوق الإنسان منظمةٌ مستقلة غير ربحية وغير حكومية، تقدم الدعم والحماية إلى المدافعين عن حقوق الإنسان بُغية تعزيز حقوق الإنسان، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، حرية التعبير وحرية وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.
يقيم مركز الخليج لحقوق الإنسان جسراً يصل المنطقة بالمجتمع الدولي من خلال إجراء البحوث وأصداء التقارير والمناشدات باللغتين الإنجليزية والعربية، بالإضافة إلى إتاحة الموارد في حالات الطوارئ، وتقديم التدريب لبناء القدرات، وتنظيم المشاورات بين المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والخبراء، وتنفيذ الحملات وجهود المناصرة، بما في ذلك لدى محافل الأمم المتحدة وفي العواصم الرئيسية، فضلاً عن تنسيق الإجراءات المشتركة والفعاليات المتعلقة بحقوق الإنسان، حيةً كانت أو بواسطة الإنترنت، مع الشركاء المحليين والحلفاء الدوليين.